من الصحافة العربية
مروان عبادو… رحلة الموسيقي بين الجذور والبراعم
سامية عيسى
09.06.2024
يبدع الفنان الفلسطيني النمساوي مروان عبادو في ألبومه الجديد “لونغا فيينا”، مسخّراً كلمات الشاعر الفلسطيني الراحل سميح القاسم لكي يتمثل الهم الوجودي الذي يؤرق الإنسان في سعيه الأزلي إلى التحرر وعيش كينونته الفردية بعيدا عن الوصاية أو أي سلطة تحد من هذه الكينونة أو تستلبها، وذلك في أغنية “إن كان لي أن أعيش”.
في أغنيته “عربي أنا”، للشاعر سميح القاسم أيضا، يؤدّي عبادو القصيدة بإيقاع بسيط هادئ بما يتناسب مع صوته وتباطؤ اللحن الموسيقي، كي يتسنى له أن يشرح هذا العربي نفسه: “رغم ما كدسوه على كاهلي، واستفزوا به معصمي، واستثاروا به كاحلي”.
في أغنية “يا رب الغيث يا ربي”، ينتقل عبادو إلى التراثي المحدّث موسيقياً. دعاء كان الفلاح الفلسطيني ينشده، بما يشبه صلاة الاستسقاء في أوقات الجفاف. يؤديه عبادو بما يتناسب مع مشاعر الرجاء بهطول المطر، في تزواج الجملة الموسيقية بلغة الجسد. ترافقه المطربة السورية ديما أورشو بصوتها الشجي العذب مداورة في إنشاد الدعاء ببطء وتوسل لرب الغيث.
العزف المنفرد الذي يتخلل العمل جنبا إلى جنب مع صوت المغنية السورية ديما أورشو، والموسيقى التي تصوّر خرير المياه وزقزقة العصافير، تجتمع كلها لتجسّد ما تأثرت به الموسيقى العربية أيام السلطنة العثمانية حين عبرت مع غجر رومانيا إلى إسطنبول في أواسط القرن التاسع عشر، والتي استلهم منها مروان ألبومه الجديد “لونغا فيينا”.
ألبوم يمثل تتويجا لرحلة بدأها مع الفنان بيتر روسمانيث في بيروت في أول حفل موسيقي جمعهما، ليتابعا صداقة جمعت الشخصي بالتجربة الموسيقية المشتركة، التي حملت منذ البداية مجازفة فارقة، بحسب بيتر. تأثُّراً بتلك التجربة، أصدر الفنانان أول عمل لهما تحت عنوان “مراكب”، بمجرد العودة من بيروت. وها هما اليوم يعيدان تكرار التجربة في “لونغا فيينا”.
بعد ما يقرب من أربعين عاماً أمضاها عبادو في النمسا قادماً من بيروت، من أتون حرب أهلية مستعرة، يبدو “لونغا فيينا” تعبيراً عن سيره باتجاه حلمه الموسيقي. وُلد مروان عبادو في بيروت العام 1967، لكنه عاش تجربته الموسيقية في فيينا منذ حط بها وهو لا يزال في الثامنة عشرة.
يتأبط الغيتار الذي بدأ مشواره الموسيقي معه هاوياً ثم تلميذاً في مدرسة للموسيقى في فيينا. ما لبث أن تتلمذ على يد معلمه الأول في احتراف العزف على آلة العود الموسيقي العراقي عاصم الشلبي من المدرسة البغدادية، والتي أدارها الموسيقي الفلسطيني روحي الخماش.
أسس في بدايات التسعينيات فرقة مع مجموعة من الفنانين من البرازيل وبولندا وروسيا والنمسا. ساهم هذا في بلورة خلطة جميلة ـ بحسب عبادو- يمكن تسميتها موسيقى شعوب بحثاً عن جذورٍ في المشترك الإنساني ورؤية براعم فنه وهي تنمو بهدوء وعزم.
كان لكل واحد من أعضاء الفرقة جمهوره الخاص، وإن عزفوا جميعاً لجمهور متنوع من جنسيات مختلفة. لم يضع عبادو حدوداً لجمهوره المستمع، أيا كانت جنسيته، سواء داخل النمسا أم في بقية البلدان الأوروبية. كان بمثابة فنان متجول لا يكل عن حمل موسيقاه أنى ارتحل. فضلاً عن إحياء العديد من الحفلات الموسيقية في أرجاء عديدة من المنطقة العربية التي تراجع إحياؤها بعد أن اندلعت الحروب في أكثر من بلد عربي. عزف في القدس وبيت لحم، ثم منعه الاحتلال من دخول فلسطين “لأسباب أمنية”.
كانت بدايات ولع مروان عبادو بالموسيقى عند انتقاله من مخيم ضبية إثر اندلاع الحرب الأهلية في لبنان عام 1975 إلى ما كان يطلق عليه اسم بيروت الغربية. هناك، سكن مع عائلته في بناء انتقلت إليه. هناك، بدأ تأثره بالثقافة الفنية التي كانت تدرس في الجامعة اللبنانية حيث درس، وتزامن ذلك مع شيوع الأغنية السياسية والاجتماعية في لبنان، خصوصاً مع الشيخ إمام وزياد الرحباني ومارسيل خليفة وأحمد قعبور، وتجارب فنية عديدة لفتته إلى عالم الأغنية الملتزمة.
وبدأت تتفتح في روحه الرغبة في خوض عالم هذه الأغنية. لكن الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، ثم حرب المخيمات واشتداد الضغط على فلسطينيي لبنان، دفعت العائلة إلى إرساله إلى فيينا حيث يعيش أخوه الأكبر، خوفاً عليه من التعرض إلى القتل، فكانت البداية الثانية والقفزة الأساسية. هناك عاش تجربة الحرية التي يتطلبها كل فنان كي يبدع. عاش الحرية بكل أبعادها الاجتماعية والسياسية والفكرية والثقافية، ما أثرى شخصيته الفردية وطور مفهوم الإنسان لديه، ووسع من آفاقه الثقافية، وانعكس على تجربته الموسيقية بسلاسة وعمق بما يقترب من أسلوب السهل الممتنع، سواء في البدايات، وحتى “لونغا فيينا”.
أدّى عبادو الأغنية الفلسطينية مستمداً من التراث بعضاً من هذه الأغاني، ما لبث أن تمرس في كتابة الأغنية وتلحينها وتقديمها بصوته، كما فعل في “القمر كنو بلدنا ناسي، الزهر عإمو والريح قاسية، يا ناس غنوا القمر الليلة الليلة”. لم تكن أغانيه سياسية مباشرة أو ملتزمة بالمعنى المباشر، بل كانت تحاكي اليومي المعيش الذي تتجسد فيه المقاومة الحقيقية بعيدا
عن نمطية الفلسطيني الضحية.
غنى لمحمود درويش “في الرحيل الكبير أحبك أكثر”، وقدم في العديد من ألبوماته معزوفات موسيقية خالصة، منفردة على العود، ومشتركة مع الفرقة التي أطلق عليها اسم “فرقة عبادو وشركاؤه”، وأصدرت العديد من الألبومات الموسيقية كانت أشبه بحوار مع الآخر والتفاعل معه.
يأتي ألبوم “لونغا فيينا” تتويجاً لرحلة استغرقت أربعين عاماً منذ حط الرحال في فيينا. أعوام جسد فيها مروان عبادو شخصية المثقف الملحن، وشكل نموذجا فريدا للفنان الأمين على التراث الإنساني. يحاكي فنه تطلعات الإنسان في معرض بحثه الدائم عن فضاء يحلق فيه بحرية.
روشنة مروان عبادو
محمود شريح | كانون الأول 2012
مروان عبادو في قرصه الجديد «روشنة» يحتضن عوده ويعتني بتقديم رواية موسيقية متواضعة، بعد اختياره العزلة الإيجابية والانفراد بذاته، فانطلق إلى مكان حميم في ضواحي سالزبورغ في النمسا عند زميله برني روثاور (Bernie Rothaver) لتسجيلها وكان عبادو بحث عن عنوان لهذا العمل رغب من خلاله في إرباك الناطقين بالعربية والألمانية، لا بدافع الأذى، بل بغرض إثارة فضولهم.
يقول الموسيقي الفلسطيني (مواليد بيروت ـ 1967) المقيم في فيينا منذ ثمانية وعشرين عاماً إنه اختار عنوان «روشنة» لسبب ذاتي محض تضرب جذوره في حنينه إلى إقامته بين 1975 و1995 مع أهله في محلة الروشة في رأس بيروت، فارتبط اسمها في ذاكرته، ويلح عبادو على هذا الارتباط الحميم، فهو يعلم تماماً أن كلمة «روشة»، فرنسية أصلاً (Rocher) ومعناها «الصخرة»، وعليه فإن عبادو يفعّلها لغوياً في العربية لتصبح عنواناً لغربته، ولطالما كانت الروشة في صباه شرفة متعته ونشوته ومرآته على المتوسط اللازوردي في صوَر الأمس وفضوله، فعزف لها مقطوعات موسيقية مشابهة لمعزوفات السويت في الموسيقى الغربية، في حين يقر عبادو بأن هذا التشبيه غير دقيق، لكون السويت في الموسيقى الغربية تنقصها نفحات هواء الشرفة المشرقية، ذلك أن «روشنة» في العربية مثل شقيقتها الفارسية هي الشرفة التي يدخل عبرها الضوء، أو هي مكان حفظ المشروبات وقد ازدهرت في الهندسة المعمارية في العصر المملوكي بمصر. أما في الألمانية، وهي لغة أهل فيينا، فإن مصطلح «روشنة» يذكّر نطقاً بكلمة «روش» المتعارف عليها منذ القرون الوسطى والتي تعني النشوة ممن هو غير بعيد عن أجواء حياة الماليك.
في «روشنة» عبادو يتوسط النص الشعري الأغاني فترافق الموسيقى الشعر. يعترف عبادو بأن صور أغنيتين في «روشنة، بعيدة عن فهم المستمع الغربي رغم ترجمتها المقابلة للنص العربي إلى الإنكليزية والألمانية، ذلك أن صورة الحصان الأصيل رمزاً لشعبه الفلسطيني المناضل من أجل حريته صورة من المنفى تقص حكاية مقاومة هذا الشعب بعيداً عن أي محاولة احتواء أو احتكار لمقاومته، فهذه ملك جميع أبناء فلسطين وبناته. أما في أغنية «شرق المتوسط» فيبقى اعتماد عبادو لخطابية الشعر العربي القديم ساخراً في رأيه الصائب عن ثقافة عربية لم تتجاوز حد الخطابة اللفظية. فيما أغنيته الأخيرة في الأسطوانة مهداة إلى الربيع العربي وهي من كلماته:
بعد في حلم
ناطر صحابو،
بعد في قمر
نصلي على بوابو.
وبعد في صديق
يوفي بالوعد،
ويحلى الطريق
وتزيد حكاياتو.
أما أغنيته «شرق المتوسط» فهي مرآتنا من شرفته لا فرق في بيروت أم فيينا:
إحنا من شرق المتوسط
عنّا الفانوس السحري
سٍنْباد وعلاء الدين،
عنا مارد، عنا نظام، عنا يسار، وعنا يمين.
إحنا من شرق المتوسط
كنا ماسْكينا من النّص،
عنا أغاني، عنا ليلي، ألف ليلي وليلي ونُص.
إحنا جنوب بضهرو شمال
وعنا الهوى ميّال
إحنا من شرق المتوسط، سيف ورمح وهجمة خيل،
إحنا من شرق المتوسط، كرّ وفرّ بعتم الليل،
وإذا بدّك لاحظ، متنبّي وجاحظ،
وأمَرا وسلاطين، ولُغة بقواعد
وتحرير فلسطين، مع الفجر الواعد.
في «روشنة» أيضاً «بحبك يا حلو» كلمات عبيدو باشا، يا رب (علي الخليلي)، خليك (مروان عبادو)، «سراب» (سلمان مصالحة)، «أربع حمايم» (أحمد راشد)، مع ترجماتها بالألمانية والإنكليزية.
إخراج هذا القرص (سي دي) راق جداً، يزينه اسم المؤلف وقفزة غنائية نوعية منذ «ابن الجنوب» (1999) أسطوانته المنفردة الأولى.
م.ش.
روشنة
سحر طه
الإثنين 8 تشرين الأول
2012
ينفرد مروان عبادو بعوده، في اسطوانته الجديدة «روشنة»، حيث يطلق العنان الى احاسيسه المتدفقة، يترجمها شجىً وقلقاً،على الاوتار، عبر العديد من الارتجالات والمقطوعات الموسيقية واغنيات تأتي ضمن المسار الذي عرفناه به منذ البدايات، حيث البساطة العميقة والسهل الممتنع والقلق الآني واولاً وأخيرا قضية وطنه «فلسطين».
يخلو عبادو، الى نفسه، بعيداً من الالات كلها، سوى العود، وبعيداً عن كل ما يمكن ان يشوّش حالته النفسية في الآن واللحظة، التي استولى عليه فيها، نوع من الحنين الى الذات الجوانية، والتفكر بما وعى عليه منذ الطفولة وما يدور من امور حوله، او حولنا، ليضع ما يعتمل في داخله من أمل ويأس معاً، وأفكار متضاربة في كلمات كتبها ووضع موسيقاها على انغام العود، وموسيقى اخرى وضعها لكلمات كتبها اخرون.
وفي المحصلة مهما كثرت هذه الافكار وتضاربت وغاصت في العمق او طفت وأغرقت ترنيمات العود والانامل بصرخات بعضها مكتوم، وبعضها الاخر يعلو ويعلو ليصم الاذن، سواء عبر أداء عبادو نفسه او عبر موسيقاه، كل ذلك يبقى ضمن فكرة «الوطن»، وطنه الضائع منذ عقود، هي كلمة تختصر لديه ولدى الكثيرين منا، ما بات يتأكّلنا ويتصارع في دواخلنا، ويبعث على الرعب والخوف على اوطاننا جميعاً من الضياع.
يلون مروان عبادو «روشنته» بتعابير موسيقية وايقاعية فرحة تتقافز فيها طفولته، وشبابه ونضجه فتبدو مسيرة حياته، في ظاهرها، حافلة بأدرينالين الصبا ومرح الشباب وتفاؤله، هذا للوهلة الاولى، فيما يتأكد لنا بعد هنيهة قصيرة من سماع اغنية مرحة سريعة مثل «شرق المتوسط»، انها حافلة ايضاً بحسرة وألم ووجع، وتهكم على الماضي السعيد، والتاريخ المجيد وأساطيرنا التي باتت على كل لسان من سندباد وعلاء الدين وفانوسه السحري، احنا من شرق المتوسط حيث الديموقراطية وتعددية الايديولوجيات، هذا الشرق المتوسط، الحافل بالأغاني والليالي من ألف ليلة وليلة ونص، ونفخر بالجنوب والشمال وبالهوى الميال، «…احنا من شرق المتوسط سيف ورمح وهجمة خيل.. كر وفر بعتم الليل، وإذا بدك لاحظ.. متنبي وجاحظ، وأُمرا وسلاطين ولغة بقواعد، وتحرير فلسطين مع الفجر الواعد».
حتى اغنيات الحب تختلف لدى عبادو، فهو يحب ان يرى حبيبته وقد تكورت بطنها متل الورده على إما…» كما في اغنية «بحبك يا حلو التي كتبها عبيدو باشا. وفي اغنيات تراثية مزجها ببعض كلماته ولحنه كمتوالية فلكلورية للتذكار وللذكرى، كما في اغنية «خليك ما خلص المشوار»، واغنية «يارب الغيث يا ربي واسق زرعنا الغربي.. يا رب بل المنديل قبل ما نرحل ونشيل…» حيث ذكر عبادو في كتيب مرفق بالاسطوانة بأنه نص تقليدي من كتاب اغاني العمل والعمال في فلسطين للاستاذ علي الخليلي». واغنية «سراب»، كتابة سلمان مصالحة، التي تحكي الغياب، وحلم الإياب «…في أغانٍ أخر، في الهوى في الشباب في الثرى في الحجر».
فيما تحمل اغنية «اربع حمايم»، كتبها الاماراتي أحمد راشد، الأسى، حيث ترسم مشهد التوق والسهر والم الشوق الى المحبوب باستخدام «الحمامة» كرمز للمحبوبة «أربع حمايم على راس الجبل باتوا..باتوا سهارى.. ومن كثر السهر ماتوا…».
في حين يختتم مروان عبادو اسطوانته بما يشبه الترنيمة القصيرة أهداها الى «الربيع العربي»، «بعد في حلم..ناطر صحابو، بعد في قمر نصلي على بوابو.. وبعد في صديق يوفي بالوعد، ويحلى الطريق وتزيد حكاياتو…». لا أدري لماذا احسست بأن الفنان مروان عبادو غناها بشحنة كبيرة من شجن وكأن عبرة تخنقه حين غناها بطريقة ترنيمة الأم لوليدها لكي ينام، رغم ان كلماتها هي عكس تماماً الاحساس الذي غنى بها الكلمات التي تحمل التفاؤل والأمل، ولعل غالبيتنا يجتاحنا هذا الاحساس بالاحباط والقلق الخانق على عكس ما نتفوه به من كلام ينطوي على آمال وردية قد تكون أبعد منالاً مما نتخيله.
يذكر ان اسطوانة عبادو تضمنت الاغنيات والمقطوعات التالية: «صبا» ارتجالات منفردة على العود، «بحبك يا حلو»، «تلج شباط» موسيقى، «يارب»، «خليك»، «السبع جوانح» موسيقى، «سراب»، «اربع حمايم»، «طائر المساء» موسيقى، «فلامنكو مشرقي» موسيقى، «شرق المتوسط»، «بعد في حلم«، «صبا» موسيقى خروج او ختام الاسطوانة.
والاسطوانة «روشنة» توجد في نسخ محدودة العدد ومتاحة للبيع فقط في حفلات مروان عبادو. فيما تم تصنيع الاسطوانة والغلاف والكتيب من مواد صديقة للبيئة.
نـــــــــرد
زهرة مرعي
نَرْد جديد موسيقي لمروان عبادو. من مكان الشتات الآخر الذي قصده الفنان الفلسطيني إختيارياً منذ سنة 1985 وهو ڤيينا يواصل تجهيز وإعداد أفكاره الموسيقية والشعرية ورفدنا بها تباعاً إلى بيروت. وهو بين زمن وآخر يواعد جمهوره البيروتي على اللقاء فيحيي عدداً من الحفلات مباعداً بينها بما يتيح للشوق أن يتكون، وللجديد أن يتبلور. وغالباً يؤثر عبادو أن يُطل بجديده من بيروت التي ولد فيها كونها المنفى الأقرب الذي اختاره الأهل عندما غادروا قرية كفر برعم على الحدود اللبنانية الفلسطينية ليصبحوا منذ سنة 1948 لاجئين.
حريص مروان عبادو في كل جديد يقدمه على مقاربة يعقدها بين الكلمة والموسيقى، فيوائم بينهما ما يشبه حسن الجوار والعشرة. فالمقطوعات الموسيقية تساوت مع الأغنيات وبلغت جميعها العشر. جمعت بينها روح الكاتب والمؤلف الموسيقي والتي يعبر عنها غالباً بنقرات عود باتت علامة خاصة. علاقة عبادو مع أوتار عوده يخرج منها ذلك الحنين الأثر، كما تعبر عن إنسان مسكون بحب عتيق مهما قال عنه فهو غير قادر على البوح بكل مكنونات الروح. ربما هي مشاعر الشتات وذلك الشوق الكامن والمتنامي في الداخل لوطن قريب جداً وبعيد المنال. في ‘نرد’ تعاون مروان عبادو على كتابة كلمات الأغنيات مع سلمان مصالحة من القدس وطارق الطيب من فينا، وتولى بنفسه كتابة أغنيتين هما ‘كل يوم’ و’يا رايحين’. وفي الأغنيات جميعها باستثناء ‘يا رايحين’ تسيطر نبرة عبادو الحزينة، وبخاصة في أغنية ‘يا صاحب الدن’. ومن ثم ينتقل إلى أغنية ‘في الشارع’ ممدداً عمر هذا الحزن السابق والقديم، مضيفاً إليه بعضاً من الإيقاعات السريعة. وهنا لا تتساوى نبرة الصوت الحزينة مع بعض التوزيعات الموسيقية التي تفرح الأذن. ‘في الشارع’ يحرص عبادو على ممارسة رغبة متوقدة عنده بالغناء من دون الموسيقى، كما يحرص على تنويعات لحنية من أوتار صوته هي عبارة عن شجن. وهذه الأغنية كتبها طارق الطيب.
مع أغنية ‘لفظ’ وهي الثانية بعد ‘يا صاحب الدن’ من كلمات سلمان مصالحة نسمع غناءً تعبيرياً، ونسقاً موسيقياً جديداً وجذاباً. في ‘كل يوم’ نسمع أغنية واقعية عن حياة الانسان الفلسطيني تحت الإحتلال، ومن بعيد يعبر عبادو وكأنه موجود داخل المكان والزمان الذي يعيشه الأهل في الوطن الممنوع.’حابب يجينا يوم خالي من البطولي.. لا جريح ولا شهيد.. وها اليوم الطبيعي من الطبيعي يكون عيد في بلد إسما فلسطين’. بهذه البساطة يعبر عبادو عن أفكاره بالكلمة.
وعندما نقرأ على غلاف السي دي عنوان أغنية ‘يا رايحين’ نظن بأننا سنسمع من عبادو نوعاً من الحداء، لكنه يفاجئنا بموسيقى فرحة وجذلة وفيها حنين معبَر عنه بالكلمة وشكل الأداء. وفي هذه الأغنية كلاماً وموسيقى وآداءً بصمة لعبادو معروفة وواضحة. بالعودة الى المقطوعات الموسيقية الخمس التي ضمها عبادو لسي دي ‘نرد’، فهو في مقطوعة ‘هزِة’ يعطي أولوية في الأنغام الصافية الواصلة إلينا للكمان الذي يتجلى بحلة بهية، ومن ثم يواكبه بأوتار العود.
وهنا نقرأ في تجربة عبادو منذ تعرفنا إليها وهي محاولاته الدائمة في إستنطاق العود بأسلوبه الخاص جداً. وفي ‘نرد’ نتلقى تناغماً لطيفاً بين أصوات الطبلة، العود والكمان. وترابط جميل بين الأنغام التي تمنح المتلقي إحساساً بالإنتعاش والحب مع تلك المقطوعة. كذلك تتميز ‘رقصة فرح’ بحيويتها ومن ثم تعبيرها المتهادي الأليف. وهي مقطوعة تختم برقصة فرح حقيقية. سيرتو سيري’ عنوان لموسيقى فيها أناقة الحكاية المشوقة. وفي ‘ريشتان’ يعطي عبادو مجالاً مفتوحاً لأوتار عوده مع كثير من التجليات التي يعشقها. عبادو فنان له جمهور في بيروت وكثير من الأمكنة الأخرى، وهو إستطاع أن يؤسس لذاته مكانة في أوروبا حيث قدم موسيقاه وأفكاره، وعبر عن ذاته كفلسطيني يعيش قضيته، ويعيش الشتات
نَرْد’ جديد عبادو بعد ‘دوائر’، ‘إبن الجنوب’، ‘راينسبوتينغ’ و’قبيلة’. وهي جميعها تجارب تتراكم لتؤكد حضور صاحبها كمعبر عن شعب وقضية بأسلوب يتطور ويكبر في حضوره. وفي تنفيذه لأعماله الموسيقية هذه يلتقي عبادو مع موسيقيين من الغرب هم جوانا لويس البارعة على الكمان، وبيتر روزمانيث أيقاعات ـ وهو رفيق عتيق لعبادو ـ وكذلك غيورغ غراف على الكلارينيت والساكسوفون، وميكي ليبرمان على الغيتار.
„مراكب” مروان عبادو
أمجد ناصر
أن تسمع موسيقى مروان عبادو غير أن تراه يعزف.
ليس عبادو ممثلاً ولا مؤدياً إستعراضياً ليختلف تلقي موسيقاه بمشاهدته عن سماع أسطوانته. لكن ضربات ريشته على العود، ملامح وجهه، جلسته المتحفزة على الكرسي الصغير، استبطانه، إن لم أقل تمثله لمهاوي ومعارج موسيقاه يضيف، أذا جاز التعبير، حضوراً درامياً لعمله.
هناك موسيقى ينبغي ان تسمعها ضمن شروط تلقي خاصة بصرف النظر عن مشاهدتك عازفها (…او مؤلفها) وهناك موسيقى تضيف مشاهدة العازف او مؤلف العمل وهو يعزف تجلياً جمالياً آخر لها.
أفكر هنا بحفلات الموسيقى الكلاسيكية التي لا تختلف كثيراً معزوفة عن أخرى إلا بشخصية قائد الأوركسترا.
لنتذكر القصبجي بسمته الكئيب وجرمه الضئيل وهو يجلس متوارياً وراء الحضور الجسدي والمعنوي الكلي لأم كلثوم.
هل هو نفسه مبدع ألحانها العظيمة؟
أهو نفسه الذي أحدث انعطافة أساسية في الموسيقى العربية؟
إنه يبدو لنا، نحن الذين لم نره إلا واحداً من فرقة أم كلثوم الموسيقية الكبيرة، شخصاً آخر.
فقد تقع عيناك على عازف القانون عبده صالح. أو عازف الكمان أحمد الحفناوي، أو عازف الكونتراباص „عظمة” أو حتى عازف „الرق” الذي كانت صلعته تتهلل قبل اساريره كلما وقعت عليه الكاميرا في الطرف القصي من فرقة „الست”، ولكن ليس على القصبجي.
لم أسمع موسيقى مروان عبادو، الفنان الموسيقي المقيم في النمسا، ولم أره إلاّ في معهد العالم العربي بباريس أثناء انعقاد مهرجان الشعر في العام الماضي. كان عبادو برفقة زميله العازف النمساوي پيتر روزمانيت ينتقلان بين رنات العود التي تحاول ان تستكشف لها مدى لحنياً جديداً وبين ايقاعات الجاز وحفيف أوراق الشجر او تموجات البحر.
كان پيتر روزمانيت يجلس كساحر بدائي وسط متاهة من الطبول والدفوف والطبلات والصنوج النحاسية والخراخيش وما يشبه الجرار الخشبية والقواقع، يستخرج منها اصواتاً تطلق حنيناً الى مادتها الاولى.
مزج العازفان بين قواعد الموسيقى والارتجالات، بين النفس الشرقي المتقطع الذي كان يرفعه العود مرة على شكل أسىٍ ومرة على شكل رنة فرح وبين فضاءات الجاز التي تستضيف اصواتاً وايقاعات وأصولاً متعددة.
لم تكن تلك الموسيقى التي سمعتها في حفلة معهد العالم العربي شرقية، بالمعنى الضيق، ولا غربية، كانت موسيقى تحاول ان تنفلت من الحدود الصارمة لهوية تحيل الى مكان محدد وتراث بعينه.
ولعلني اقصد هنا ابتعاد هذه الموسيقى عن „الفلولكور” وتمنعها عليه.
هذا ما فعله عبادو في شريطه الاول „دواير” مع فرقته الموسيقية (… التي انفرط عقدها لاحقاً)، فمن الصعب ان تحشر قطع تلك الاسطوانة (باستثناء الاغنية الوحيدة فيها) في خانة تراث موسيقي واحد. كانت الآلات تحاول ان تعاند أدوارها التقليدية: العود، الكونتراباص، الساكسفون، وتدخل في مغامرة ليست مألوفة تماما لها.
لكن ليس هذا ما يقدمه مروان عبادو في اسطوانته الجديد „مراكب”. فلا وجود لفرقة ولا لآلات عديدة. عود مروان عبادو وطبول وخراخيش پيتر روزمانيت فقط. غير ان هذا ليس هو الجديد الوحيد في الاسطوانة، بل الغناء ايضاً. ففي حين كان „دواير” يتكون، في معظمه، من قطع موسيقية صرفة فإن „مراكب” قائم اساساً، على الغناء وبصوت عبادو نفسه.
هذه مفاجأة ثانية لي. فما أعرفه عن عبادو انه عازف ومؤلف موسيقي ولم أكن اعرف انه „مغنٍ”. أضع مغنياً بين قوسين، لأن مروان ليس مغنياً بالمعنى المتداول للكلِمة، إنه اقرب منه الى المؤدي منه الى المغني-المطرب. هو مغن بمقدار ما هو مرسيل خليفة مغن. ولكن أداءه، هنا، ليس مجرد توصيل للمعنى، كما يمكن ان يُفهم من هذه الكلمة، ليس „شرحها” صوتياً، بل اعطاء المعنى الجاهز للكلمات بعداً جديداً، توصيله الى ارض غير تلك التي انطلق منها.
دخول الصوت على موسيقى عبادو، هذه المرة، قربَّها أكثر من المتلقي „العادي” (هل أقول الشرقي) الذي يتطلع اليه الفنان، على ما يبدو، في غربته الغربية.
لكن ما الذي يعنيه دخول الصوت، الشعر، التراث الشعبي، مقابل تراجع الآلات الغربية، واي صورة يصبو اليها هذا العمل؟
أميل الى الظن انها النوستالجيا، أو الرغبة، في التصالح، ولأقل التقرب، مع التلقي الواسع.
إنها رغبة مشروعة بعد طول تجريب، إنها ليست النوستالجيا المباشرة، المرسلة وجداً وعاطفة مفرطتين لزمن ومكان بعيدين، التي تتخذ لنفسها في احدى القطع إسماً حرفياً (حنين)، بل تلك التي تتخلل، كتيار خفي، مقطوعات العمل كلها فتصيبها بمس من خفة الطرب ونشوته، اللتين تصعب معرفة مصدرهما.
على ان ما يجعل لكلمتي هذه عن اسطوانة مروان عبادو الجديدة طابع الاحتفاء أكثر من النقد(… لست ناقداً على كل حال) هو كون مؤلفها لحناً وكلم وصوتاً فلسطينياً. لكنه يأتي من جهة غير مألوفة في الغناء الفلسطيني سواء ذي الطابع الفلكولوري أم النضالي.
انها جهة، حتى وان ركنت الى بعض التراث، تظل مختلفة على صعيد المقاربة كلها عن الاغنيتين الفلكلورية والنضالية.
إن اغنية „مراكب” التي تتخذها الاسطوانة عنواناً لها هي ذات رائحة فلسطينية لا تخفى، وتحديداً رائحة بحر فلسطين. انه بحر الصيادين المبكرين الى رزقهم رغم المخاطر والغموض اللذين يكتنفان البح في التراث الشعبي العربي… لذلك تدعو لهم الأغنية بالعودة سالمين الي بيوتهم وزوجاتهم.
أغنية ذات كلمات بسيطة يصعّدها لحن واداء عبادو المتسارع حيناً، المتباطىء حيناً آخر الى ما يشبه الدراما، الى حركة تسري في سامعها، فتأخذ به من التلابيب، رغم انها تتجنب معجماً كاملاً محسوب رد الفعل والإثارة سلفاً.
ما أقصده، بهذا الكلام الملتوي، ان الفنان يتجنب „فلسطنة” اغنيته، على ما هي عليه „الفلسطنة” في دارج الخطاب الفني الفلسطيني او العربي عن فلسطين.
اي… باختصار ووضوح… رائحة „مراكب” مروان عبادو فلسطينية، من دون تسييس او ايدولوجيا، انها فلسطينية الحياة اليومية، الرزق، الأمل، الجمال كما هو مستقر في فطرة الفلسطينيين وفي تراثهم الشعبي العريق.
أمجد ناصر
نُشرت عام ٢٠٠٦ في جريدة القدس العربي
عبادو يختتم مهرجان حكايا الخامس بحدوتة موسيقية حميمة
سارة القضاة
19-Sep-2012
الرأي – سارة القضاة – بحكاية موسيقية تبدأ وتنتهي بالحب، اختتم الفنان الفلسطيني مروان عبادو مساء أول من امس مهرجان حكايا الخامس، جالسا على المسرح المتواضع لمسرح البلد، في قلب جبل عمان القديمة، وحيدا يستدفئ بعوده وصوته وموسيقاه، ويؤنسه جمهور يتوق إلى سماع موسيقاه بعد غياب عامين عن الجمهور العَمّاني.
واثر عبادو أن يجلس وحيدا في أمسيته التي اطلق فيها ألبومه الجديد «روشنة» دون أن ترافقه فرقته الموسيقية، باحثا عن الهدوء والسلام بعيدا عن الضجيج الذي يملأ هذا العالم، واعدا جمهوره برواية حكايته الموسيقية بكل حب.
ولمروان عبادو أسلوب يختلف عن غيره من الموسيقيين والفنانين، فأن تسمعه يغني من خلال القرص المدمج، يختلف تماما حين تراه على المسرح، فهو يجلس متأهبا ليبدأ رحلة حج موسيقية، يغني وابتسامة لا تفارق شفتيه، تتخللها ضحكات تنفلت منه فرحا بالموسيقى.
وتراه وهو يعزف على عوده يتوحد مع تلك الموسيقى التي تضج في رأسه، فيغمض عينيه ليعبر إلى رحلته الخاصة، وتلهث أنفاسه حتى تكاد تسمعها، حتى انك تظن أن زفيره اصبح مرئيا، ويفتح عينيه فجأة ويحدق بك وكأنه يقول لك: اتبعني.. فالموسيقى الجميلة هي تلك التي تحملك إلى حكايا تستفز ذاكرتك وتصنعها.. اتبعني نروي الحكاية سويا، أنا اعزف واغني وأنت ترافقني مستمعا تكمل الحكاية.
وفي الأمسية، غنى عبادو معظم أغاني ألبومه الجديد، مستهلا الأمسية بمقطوعة موسيقية تتلاحق فيها الجمل الموسيقية وتتدفق واحدة تلو الأخرى، قبل أن يغني من جديده قصيدة «سراب» للشاعر سلمان مصالحة، مدندنا بصوت شجي:
غاب بين الضباب نازفا كالمطر
في يديه كتاب من زمان غبر
طل لمحا وغاب كالندى في السحر
روحه خلف باب تكتوي بالسمر
نصف قلبه ذاب نصفه يعتصر
وتواصلت الأمسية بعبير الأغنيات، فغنى «بحبك يا حلو» للشاعر عبيدو باشا، أتبعها بمقطوعة موسيقية مميزة، اتبعها بحكاية موسيقية ساخرة، قال فيها:
إحنا من شرق المتوسط
عنا الفانوس السحري
سندباد وعلاء الدين
عنا مارد، عنا نظام، عنا يسار، وعنا يمين
«شرق المتوسط» أغنية سياسية ساخرة، ويغنيها عبادو بأسلوب ساخر، فتخرج الكلمات منه سريعة متلاحقة كأنه يحكى قصة بدلا من أن يغني.
وقدم عبادو الكلمة الخليجية في «اربع حمايم» للشاعر احمد راشد، ولفلسطين شدا أغنية من كلماته «خليك! ما خلص المشوار، دربنا طويل وجرحنا بسيل، وبلادي كلا حجار».
ويمزج عبادو في الأغنية بين الجمل الموسيقية السريعة وتلك الهادئة، فتنبض الأغنية بألق، ويدخل على روحها المعاصرة مقاطع من أغاني التراث الفلسطيني، فيغني «يا حلالي ويا مالي» و»يا ظريف الطول»…
وتستمر الحكاية بحلم جديد ما يزال ينتظر، وبصديق يوفي الوعد فتزداد الطريق جمالا، أغنية كتبها عبادو وغناها من وحي الربيع العربي، طرزها بعنوان «بعد في حلم»، نصنعه بأيدينا وارداتنا، ونواصل فيه ليصبح الغد اجمل.
ولا تكتمل الأمسية دون أن يغني عبادو رائعته «القمر كنّو بلدنا ناسي، الزهر ع امو والريح قاسي، يا ناس غنوا لقمر الليل، قمرنا الغايب ضيّع سَبيلّو»
وبعد الختام، يعتلي عبادو المسرح مرة أخرى ليغني لمراكب فلسطين، ليتركنا وسط أحلامنا في البحر الفلسطيني المفقود، ويغادر دون أن يختم الحكاية، يتركها لنا ننسجها كما الحلم.
يذكرا أن ألبوم «روشنة» هو أسطوانة موسيقية غنائية منفردة، اختار فيها عبادو «العزلة الإيجابية والانفراد بذاتي، واحتضنت عودي لاعتني برواية موسيقية متواضعة».
أما عنوان الألبوم، فهو اسم أراد به إثارة الفضول، فما هو إلا مصطلح هندسي يشير إلى الشرفة التي يدخل عبرها الضوء، أو مكان حفظ المشروبات، وازدهر هذا المصطلح في عصر العمارة المملوكية في مصر. والألبوم مصنوع من أول حرف فيه حتى آخر قطراته من مواد صديقة للبيئة، ليذكرنا عبادو بأن الموسيقى هي الصديق الأول للطبيعة، تخرج منها وتنتهي إليها.
الدليل
مروان عبادو: أستدرج العود إلى مساحات جديدة
نداء عودة
الجمعة 21 أيلول 2012- السنة 80 – العدد 24855
“بعد في حلم ناطر صحابو، بعد في قمر تصلّي على بوابو، بعد في صديق يوفّي بالوعد ويكفّي الطريق، وتزيد حكاياتو”، بكلمات هذه الأغنية يستدرجنا مجدداً الفنان مروان عبادو كما كان استدرج أسماعنا وطوال سنوات إلى موسيقاه التي تصل التراث العربي بالمعاصرة.
تبدو موسيقى عبادو في محاكاة دائمة مع الشعر العربي والنصوص العامية الخارجة عن المألوف، فحيث لا يغيب القمر والصديق والطريق والزهر والأمل عن أغنية فلسطينية مختلفة النظرة عن أخرى كانت غرقت طوال عقود في الشعارات والبكاء، لايزال مروان عبادو فناناً ومؤلفاً موسيقياً يريد لهذا الفن أن يكون حرّاً إنطلاقاً من تفاصيل إنسانه الفلسطيني والعربي المغادر دائماً وراء البحار. اليوم سيطلّ علينا بمشروعه الموسيقي الجديد “روشنة” في قبو كنيسة القديس يوسف، مونو، ليلتي 21 و22 أيلول الجاري.
¶ ماذا عن مشروعك الموسيقي “روشنة” وماذا يحمل من جديد في هذه المرحلة؟
– “روشنة” هي أسطوانتي المنفردة الثانية بعد “ابن الجنوب”، والثامنة في أعمالي الموسيقية. وقد شكلت لي تحديا نوعياَ، كونها منفردة. طموحي أن تحمل إضافة وتميّزاً عن سابقاتها. وشغفي هو إيصالها إلى المستمع، وسط الضجيج الهائل من حولنا. إلى الحميمية الخاصة في الأسطوانة، هي مؤلفة من العود والصوت، الجديد في هذا العمل هو إستدراج آلة العود إلى مساحات موسيقية جديدة، أستخدم فيها ريشة إيقاعية في العزف.
استطعنا عبر الإنترنت ان نقتطف بعض من كلمات أغنية “بعد في حلم” وتقول إنها مهداة للربيع العربي، ماذا قصدت من هذه الأغنية وخصوصاً أن كلماتها لا تحمل موقفاً واضحاً؟
– جاءت الكلمات عفوياً، أما الإهداء فمقصود. لا يمكننا مواصلة الرتابة العربية السابقة في ظل المتغيرات الهائلة المحيطة بنا. الأغنية تحمل موقفا واضحا وهو اننا لا نزال نحلم ونتأثر ونؤثر، وان هذا الحلم خرج من غرف الإنعاش الى الشارع، والى جمع الملايين من الشباب حوله.
بكلمات أكثر بساطة هل تؤمن بالربيع العربي أم تعتبره شتاء أو خريفاً؟ وكفنان فلسطيني هل تنتظر فصلاً فلسطينياً ما؟ ما الذي تأمله أن يحصل في فلسطين على طريقة “بعد في حلم”؟
– أؤمن بكل الفصول، وطبيعة الفصول قصيرة، لكنها أهم بكثير من عقود الظلم والاستبداد، وأهمية هذا الربيع هو ما سنزرعه لأطفالنا، فالربيع فصل العمل والجد. الربيع العربي ربيع، ما دمنا نعمل ونكافح من أجل أن يكون ربيعاً. لا أنتظر ربيعا فلسطينيا، باعتبار ان المواجهة متعددة: إحتلال، وانقسام فلسطيني حاد. الحلم الفلسطيني بدأ بالتبخر في أوسلو، وأنهكه الإنقسام، أملي لفلسطين أن يعود لنا حلم واحد يجمعنا أينما كنا ومهما تكن إنتماءاتنا السياسية.
في لقائنا الماضي سألتك كثيراً عن الفنّ الفلسطيني فأجبت أنك تأمل أن يخرج الفلسطيني من صورة الضحية، اليوم وبعد كثير من التطورات وظهور فرق شابة من فلسطين والعالم العربي كيف تجد هذا الحراك المواكب للمتغيرات العربية، وماذا تأمل على هذا المستوى؟
– بالفعل بدأنا نرى أعمالاً فنية جديدة للشباب الفلسطيني والعربي في مجالات متعددة تكسر الصور النمطية وتتحرر من دور الضحية. أملي أن تجد هده الطاقات من يؤمن بها ويدعمها بعيدا عن الحسابات السياسية والحزبية لتثمر وليكون لها دور في تشكيل ربيعنا الموعود.
أرجو أن تحدّثني أكثر عن الأغاني التي ستتضمنها أسطوانة “روشنة” والمضمون السياسي الإنتقادي الذي أشرت إليه في إعلانك عنها…
– تضم الإسطوانة سبع أغان منها ثلاث تخاطب بصورة ما وضعنا اليوم. أغنية “إحنا من شرق المتوسط” تستخدم صوراً من أحد أبيات المتنبي: “الخيل والليل والبيداء تعرفني”… واذا شاهدت، مع الأسف، اي نشرة إخبارية عربية، ستجدين أن فلسفة “الرجولة” البائسة والخطابية الكارثية لا تزال سائدة. لذلك فقد إستبدلت “القرطاس والقلم” في اغنيتي بـ”الحراس والألم”. وهناك اغنية “خليك! ما خلص المشوار” وأغنية “بعد في حلم”. هناك أيضا اغنية حب مباشرة تتحدث عن حمل المرأة الحبيبة، وعلى الأرجح انها الاغنية العربية الاولى التي تحمل هذا الموضوع، وهي من كلمات الاستاذ عبيدو باشا.
هل نصوص الأغاني شبيهة بـ “بعد في حلم”، أيّ أنها غير مباشرة الأمر الذي تصرّ عليه في أغانيك؟
– يبقى السؤال، ما هو المباشر؟ اغنية “خليك! ما خلص المشوار”، هي دعوة مباشرة لإبقاء حالة التحدي، والتذكير بأن الطريق طويل جدا، أو إن أردت، العمل من أجل أن يكون هناك ربيع. هذه أغنية سياسية ومباشرة، بمعنى أنها تدعو إلى إعادة الحلم والعمل من أجل حياة وغد جديدين لا إلى برنامج سياسي أو حسابات حزبية.
تحدّثت عن توزيعات آلية موسيقية مختلفة مع العود في هذا العمل فماذا تخبرنا عن الموسيقى؟
– غادرت هذا الشرق جسديا عام 1985، وتفرغت للعمل الموسيقي، وشاركت الكثير من الموسيقيين وشاركوني في اعمالهم، تعرفت الى كنوز موسيقية هائلة، أثرت في بعض مقطوعات العود في هذه الإسطوانة. القوالب الايقاعية فيها شرقية بحتة، قد لا نتعرف اليها للوهلة الأولى، بحكم أنه ضاعت من ذاكرتنا وبتنا لا نعرفها أنها عربية. اضافة الى ذلك هناك تركيبة ثلاثية للمقطوعات: موضوع موسيقي ـ صدر موسيقي ـ القفلة، وهذه الثلاثية متنوعة مقاميا أو ايقاعيا أو الاثنين معاً. على الأرجح فالسماع افضل من الحديث عن هذه الهندسة الموسيقية.
بعد مجموعة من الحفلات في ألمانيا والأردن ستقدّم حفلات موسيقية في بيروت، فماذا تخبرنا عن مضمون البرنامج الموسيقي؟
– البرنامج هو حفل موسيقي منفرد، أقدم فيه أغاني ومقطوعات “روشنة”، في امكان المستمعين شراء الإسطوانة التي لن تكون متوافرة في الأسواق، إذ إنها محدودة النسخ وتباع فقط في حفلاتي. لقد جهدت أن تكون هذه الأسطوانة جديدة ومميزة حتى في الإخراج الفني والتصنيع، ولذلك فهي مصنوعة بمواد صديقة للبيئة. فالربيع ليس للإنسان فقط بل للبيئة والطبيعة أيضا.
مروان عبادو
عابر حدود بين الثقافات
“وظيفة الفن هي جعل الحياة تمر ببطء”، يقول مروان عبادو. بدأ اهتمامه بالموسيقى بالفعل في بيروت، حيث وُلد لاجئا في عام 1967 لأسرة فلسطينية. وهناك تلقى دروسا في الموسيقى، وتعرف على الفنون الموسيقية الجديدة والمسرح والغناء. اشترى عبادو من مدخراته المالية الشخصية أول آلة عود، وفي عام 1983 إنضم إلى إحدى الفرق الموسيقية وظل يقيم معها حفلات لمدة عامين. لم يستطع البقاء في بيروت طويلا بسبب اندلاع الحرب الأهلية في لبنان، الأمر الذي شكل خطورة على الفلسطينيين. عندئذ قرر مروان عبادو عام 1985 السفر إلى أوروبا، وكانت مدينة فيينا وجهته. وقد طابت له الإقامة في فيينا، حيث وجد هناك جوا متعدد الثقافات كان له تأثير قوي على أعماله الموسيقية. كانت فيينا بالنسبة إليه “بوّابة العالم” وأفضل مكان يواصل فيه تنمية مواهبه الموسيقية.
عندما وصل إلى فيينا لم يكن يعرف أي كلمة ألمانية، لكنه كان يحمل في جعبته مشاريع عديدة. وبما أن الموسيقى الكلاسيكية لها دور مهم في هذه المدينة، قرر هنا دراسة الموسيقى، لكنه لم تكن لديه أي تصور كيف سيوازن بين مشاريعه في العمل وبين ودراسته. انتسب أخيراً الى الكونسرفاتور وأراد دراسة العود، وبما أنه غير ممكن في فيينا، اختار دراسة الغيتار.
“لقد ساعدني الحظ بلقائي هنا بعازف العود العراقي عاصم الشلبي، الذي أصبح أستاذاً مهما لي. لقد تعلمت منه الكثير من التقنية وطريقة العزف العراقية على العود”.
وحالاً بعد وصوله أسس فرقه »عبادو وشركاه«. تمزج هذه الفرقة الألحان الشرقية بالغربية. ومن العناصر الموسيقية الخاصة والغريبة ينتج شىء جديد. ويوضح أول ألبوم له »الدوائر« كيفية تأثره بالموسيقى الغربية، هذا الألبوم يحتوي في المقام الأول موسيقى آلية للعود والكونتراباص والساكسوفون والإيقاع.
إلى جانب ألبومات الموسيقى الآلية يعود مروان عبادو دائما إلى حبّه الكبير: الشعر. فقصائد الشعراء العرب المعاصرين وأشعاره الخاصة تشكل على سبيل المثال لُب برنامجه »قبيلة«. إضافة إلى أعماله الموسيقية بمرافقة الفرقة، يقدم مروان عبادو أعمال صولو كما في اسطوانته »ابن الجنوب« التي تحتوي على أغان لحنها وكتب كلماتها وقدمها بمرافقة آلة العود.
مروان عبادو عابر حدود بين الثقافات. ومن روح الإرتجال يخلق مع فرقته موسيقى يسودها الايقاع في ضوء ألحان عربية تقليدية. “تعتبر مؤلفاتي الموسيقية جزءا من حياتي التي تتكون من أصولي وسيرة معينة، وأيضا من حياتي في المنفى في فيينا. المنفى بالنسبة لي مكان للتلاقي وتنمية المواهب، وهذه اللقاءات هي أيضا جزء من هذه المؤلفات”. يقول مروان عبادو.
للجاز تأثير مهم على مؤلفاته الموسيقية، ويعد الارتجال كلمة السحر التي تجمع بين نمطي الجاز والموسيقى الشرقية، ذلك لأن الارتجال في الموسيقى الشرقية يعتبر من صميم خصائصها. واليوم في زمن مايسمى »موسيقى العالم« ـ وهو الخلط الموسيقي والمزيج من الإيقاعات ـ يقدم مروان عبادو على خلاف الاتجاه العام موسيقى تُسمع منها النغمات العالمية منفردة ويمكن التفريق بينها.
نال مروان عبادو جائزة التقدير الاتحادية للحوار الثقافي من الوزارة النمساوية للتعليم والفنون والثقافة.
سليمان توفيق
شاعر وصحافي سوري متخصص في الموسيقى يقيم في ألمانيا.
النهضة الفنية تستبق دار الأوبرا وتستعيد مروان عبادو
دمشق – سها مصطفى
يارايحين عالبلد
طار الحلم بالعالي
والحلم كان قبالي
هذا البلد…… بعدا البلد…موالي!
أمسية موسيقية بامتياز، أمسية تستعيد الزمن الجميل، وتستعيد مروان عبادو باغنياته البسيطة واحساسه العالي، تعرفنا على عالم آخر لم يندثر، مروان عبادو المغني والملحن الفلسطيني اللبناني الذي يحيا في النمسا لم يهجرنا، قادم هو إلى دمشق وبيروت وعمان، سيعود إلى البلد إلى تلك الرموز البسيطة في تلك الزوايا الريفية من الذاكرة!
الأمسية نظمتها رجاء بنوت رئيسة جمعية النهضة الفنية، التي تمكنت من سرقة مروان وتعريفه عن كثب إلى مستمعيه، وإلى جعل جيل آخر يكتشف عبادو من جديد، في أمسية في مطعم وغاليري شام محل الدمشقي العتيق، مروان قدم العديد من الاغنيات التي عزفها على العود، وتحدث أمس الأول عن جمهور عرفه ويعرفه منذ زمن، يقول’أول مرة ركعت فيها على المسرح لجمهور، هي للجمهور السوري، عادة ينحني المغني للجمهور لكني ركعت في مهرجان الملاجة في طرطوس’!
عبادو الذي شارك في احتفالية دمشق عاصمة للثقافة العربية، يعود طفلاً صغيراً كلما حمل العود، يقول’هذا أجمل شيء، لأن العالم يصبح نظيفا من جديد’.
جولته الموسيقية حافلة ومتنوعة، تتضمن جولة بين العواصم العربية، تبدأ الأحد في عمان ثم دمشق ثم حلب ومنها إلى صيدا ثم بيروت خلال أسبوع واحد!
لكن جمعية النهضة الفنية تمكنت من سرقة عبادو لليلة واحدة والانفراد به ليغني أغنية الدبكة الفلسطينية، دحي دحي يابا حي وانا بدي هوية، ليغنيها على طريقته ..دحي دحي يابا وانا بدي هدية، ويجعل من اغنياته دعوة مفتوحة للفرح، ويعود ليقدم المزيد من اغنياته ومنها ‘خمس كعكات’ وهي أغنية للأطفال.
مروان الذي يعود ريع جولته إلى وكالة الغوث الدولية، بهدف دعم البرامج العلمية والتعليمية فيها، يوضح أن الهدف من الجولة ‘التمكن من العلم كسلاح، والجولة تبدأ في رمزية عالية بعد 15 أيار في “ذكرى اغتصاب فلسطين’.
بالنسبة لمروان من ‘الممكن أن يولد الشخص كلاجىء، لكن بإمكانه أن يكون لديه بيوت كثيرة وجميلة’، في إشارة إلى جولته الموسيقية والعواصم التي يمربها.
جدير بالذكر أن حفلة مروان الثلاثاء 18 أيار في دار الاوبرا للثقافة والفنون برعاية السيدة أسماء الأسد وبالتعاون مع جمعية العلاقات العربية النمساوية والجمعية السورية النمساوية، والأمسية التي تحمل عنوان وتبقى فلسطين موالي تأتي بمناسبة الذكرى الستين لتأسيس وكالة الغوث للاجئين الفلسطينين ‘الاونروا’، وحفلة أخرى في حلب في 19 أيار.
قبيلة مروان عبادو
سحر طه
نيسان 2006
مروان عبادو، كلما ابتعدت به السنون في متاهات الغربة، تجذرت هويته في أعماقه. يعود بعد فترات غياب عن لبنان موطن ولادته ونشأته الأولى، نلتقيه، وفي كل مرة نسمع موسيقاه فنجدها اقتربت أكثر من منابته.
أول من أمس وقبله أحيا مروان عبادو، أمسية في قاعة بيار أبو خاطر، دعته إليها جمعية “عِرب” اللبنانية، آتياً من النمسا بلده الثاني أو الثالث لا فرق، ما دام يحمل شظايا وطنه الأم فلسطين في حقيبته، في عوده، في كلماته في نبرة صوته الحالمة، في دمعاته، في لباسه، في الطعم الأزلي لقهوته المرة، وفي الهواء الباقي في رئتيه. فكأن مروان عبادو يتنفس فلسطين، يأكل، يشرب، ينام وكل التفاصيل تغفو معه لتتجدد وتقوى مع صباح كل يوم.
في نوتاته تعبق رائحة الياسمين أقوى بمرات من ذي قبل، يأخذنا معه معه في غابات الزيتون وبساتين البرتقال لنشم رائحة زهر الليمون، ونعرج على البيارات والحارات القديمة ومسالك الدروب الضيقة ولمّا الحمام ينوح في الوادي، وكان ياما كان، والناس راحوا وغيرها.
أشرعة مراكبه تفتح ذراعيها على مداهما، وكأنها عائدة للتو من يافا أو حيفا، تتغنى في نوتات مرطبة بحبات المطر، ممزوجة دوماً بفرح غامر وحزن عميق في آن معاً، يرسم لنا حنة العروس والفارس المقبل على فرسه، وصور أخرى غزيرة معششة في وجدانه يستعيدها ويصورها لنا على شاشة وجداننا مع كل كلمة أو همسة لحن أو ضربة وتر على عوده.
كتب عبادو الموسيقى هذه المرة على آلات مختلفة عما سبق وتعامل معه في أسطواناته السابقة وحفلاته. ففي حفل أول من أمس غنى من أسطوانته الجديدة “قبيلة” وبعض من قديمه، فكانت الأغنيات سلسلة متواصلة وحلقات متصلة ببعضها البعض وكلها في سياق واحد وإن حاد أحياناً إلى عاطفة أو فكاهة أو موسيقى معزوفة غير كلامية، لكن الأسلوب واحد موحد ينبئ عن مؤلفها وكاتبها، نفسه، أي إن الاستماع إلى أعماله تنبئ عنه فوراً، أو تشير إليه دون غيره.
مروان عبادو بنى شخصيته الموسيقية المستقلة منذ سنوات، فبات نسيج وحده، إذ عمّر عالمه اللحني وأسلوبه الذي يسير في خط البسيط الممتنع، أي بناء الميلوديات الأقرب إلى روح الفولكلور الشعبي العربي والفلسطيني خاصة، والمحملة أحياناً نكهات تراث بدوي صحراوي، الحداء الممتع، حتى بتكراره الجمل اللحنية أو إيقاع بعينه.
وينجح كثيراً في تعميق المدلولات الميلودية وأبعادها المقامية عبر تواتر صوت آلتي الكمان والأكورديون، ودعم الكل بإيقاع متفرد عاشق، حتى مع إقحام آلات إيقاعية متعددة وغير مألوفة.
موسيقى “قبيلة” يعود فيها إلى معاني المقامات العربية عبر آلة العود برفقة أحد أهم أفراد “قبيلته”، فرقته بيتر روزمانيث العاشق أو المتعشق بإيقاعات من شتى الأهواء والبلاد وهذه المرة جاء وبمعيته آلة سويسرية (حسب عبادو) تسمى “هانك” هي إيقاعية ميلودية في الوقت نفسه ومعدنية الصنع، ولكن في اعتقادنا هي آلة آتية من أعماق أفريقيا موطن الإيقاع البشري الأول.
برزت في الأمسية أغنية “هويلو” للكاتب عبيدو باشا، ففي أسلوب النقد السياسي والاجتماعي الناقد حملها عبادو بأداء صوتي من دون موسيقى، بل بعزفه على الدف، ومرافقة الطبل البلدي إذ وقّع عليه روزمانيث بخفة وطلاقة، أضفت جواً مرحاً.
فيما توصلت جوانا لويس عازفة الكمان الأسترالية إلى قمة تآلفها مع ألحان مروان عبادو، وارتجالات تبلغ حدود السلطنة في عالمنا العربي، أو ارتجالات الجاز، إن شئنا، وبرزت لدى أوتو ليشنر، العازف الضرير، ميلاً إلى روحية اللحن الأفقي في عزفه على آلة الأكورديون، وهكذا شاء الجمهور أن يعيد مروان إلى الخشبة ليغني معه .أغنيته الشهيرة “جايي مطر ليغير حال”.
“مراكب”
أنا الموسيقي وأصابعه
جديد مروان عبادو
بقلم هالة نهرا
لا يمكننا تقييم أعمال مروان عبادو على غرار ما يفعل الباقون. فعبادو خاص، ولتلك الخصوصية خاصيات عدة متعلقة به دون سواه. تبدأ فرادته أولا في صوت تعبيري أكثر منه تطريبي، وتنتهي عند ذاك النمط من العزف غير المرتكز على التقنية كنقطة انطلاق، وإنما المتمحور حول ال<<أنا>> الموسيقية، اي ما ينبعث من تفرد الذات وخوالجها، فيُترجم عزفا، عبر حركة أصابع حرة، غير مقيدة ومحصورة في قوالب أكاديمية جامدة او أُطُر تقليدية/ كلاسيكية. الأمر الذي يبدو للمستمع المشاهد أشبه بعملية غير محترفة ومُتقنة.
وفي اسطوانة عبادو الصادرة حديثا تأثر واضح بفكر Claude Debussy (19181862)، او استيحاء مما أراد إيصاله هذا المؤلف الموسيقي الفرنسي، بالأخص في عمله الأخير “La Mer” (أي البحر) الذي أُنجز في العام 1905.
ففي <<مراكب>>، سي دي عبادو الجديد والأغنية التي حملت العنوان عينه، نوع من موسيقى سمعية/ بصرية، وكأنها مكتوبة لمشهد تصويري، حيث تم استخدام تأثيرات إيقاعية طبيعية، شرقية كانت ام غربية، وأقصد هنا الشق غير الممكنن فيما كتبه عبادو ووظفه بذكاء ودقة لتقليد أصوات البحر ومكنوناته عبر المزاهر والدفوف مثلا، فيدخل المستمع الى عالم من زبد لحظة تخبط الأمواج على الصخور، او عبر انبعاث اصوات شدّ شباك البحارة وسحب صنّاراتهم الحديدية، مع تمرير عبارة <<هيلا هيلا>>، أم انها <<خشخشة>> خلخال حورية البحر الأسطورية…
لكن احتدام الموقف لم يتجلّ إلا لحظة اقتراب المركب من الشاطئ، فيأتينا عبادو بتصعيد فُجائي لل Tempo، ويغني بشفافية صوته الأقرب الى الصوفية هذه المرة، مرددا <<يا ربي يرجع سالم من هالطريق>>، وهو يناجي المغترب او يحاكي المهاجر ليعود الى تراب الوطن.
وأما إذا أردنا التطرق الى شتى جوانب هذا العمل وتناول موضوعنا شمولية موسيقية فلا بُد لنا ان نتحدث عن عناصر أساسية لعبت دورا طليعيا في إعطاء العمل هويته الخاصة، كمثل استخدام تقنية آلة الكونتر باص على العود في بداية قطعة <<جمّال>>، حيث ركز عبادو على إيقاع العجم مع إبقاء مسحة حزنه المعتادة متلاعبا بها من خلال ال Tirce (وتعني الدرجة الثالثة في ال gamme) (Trce mineur او Trce majeur).
واللافت عامة، هو استعانة عبادو بالأنماط الإيقاعية الهندية حينا، والبربرية الصحراوية احيانا. كما تجدر الاشارة الى اقتباس عبادو أُسلوب المؤلفة الموسيقية، المغنية، وعازفة البيانو المتمرسة الأذربيجانية عزيزة مصطفى زاده الشهيرة، في المزج بين السلم السوداني وال afro/latin/jazz، والتقطيعات الايقاعية الصوتية، تحديدا في قفلة المقطوعة رقم 2 وفقا للتسلسل التراتبي، ام ان الأمر مجرد عبارة عن توارد أفكار موسيقية ليس إلا؟!…
عود عبادو
ومن غير الممكن ألا نلحظ <<عود>> مروان عبادو الذي قرّبه في عمله هذا من المؤلف وعازف العود العالمي <<أنور ابراهام>>، بالأخص في أغنية <<كلام>> حيث بانت أصداء الآلة غميقة وعميقة، مع الحفاظ على نظافة في العزف وكيفية عفق الأوتار لاستخراج ذاك المدى وتلك الروحية الخاصتين. إذا، فقد يصعب علينا تشريح عبادو موسيقيا، لأن عبادو العازف، عبادو المغني، وعبادو المؤلف او بالاحرى الملحن هم جزء لا يتجزأ من عبادو <<الكل>> إذا صح التعبير. تضمنت الاسطوانة أغنيات عديدة منها:
– “Sahara Palace”
– “Love letters From Litschau”
– “Flotte Lotte”
<<نامي يا حنين>>
<<مراكب (2)>>
– “Hawa Shmali”
– “Fattoush”
– “Matar”
– “Kalamm”
يبقى عند مروان عبادو رغم الثغرات كافة، وأخذه عن زياد الرحباني (<<الجو حاليا>> (اسطوانة بما إنو) 1994)، فيما يتعلق بال Percussions وال Rythmes المزج بين الجاز البرازيلي/ الكوبي، وبين الايقاعات العربية عبر آلة الطبلة (الدربكة) مثلا، ثم الدرامز والمؤثرات الكهربائية الخارجية يبقى عنده ذاك المذهب الفرداني وتلك النزعة التفردية اللذان يعطيان موسيقاه خصوصية لا نظير لها، ونكهة تميزه عن سواه.
روافد
26/05/2006
مقدم البرنامج: أحمد علي الزين
ضيف الحلقة: مروان عبادو
نص الحلقة
أحمد علي الزين: عشرون سنة مرت على إقامتي هنا في هذه المدينة وأكون أمضيت هنا ما أمضيته في بيروت منذ ولادتي، هذا الاغتراب يدغدغ الحنين إلى الماضي القريب، الوقت انقضى وما زلت أشعر بنفسي أهبط في مطار فيينا وكأن الشيب الذي اجتاح جزءاً مهماً من شعر رأسي لا يبرد هذا الشعور، هنا وهناك اليوم والبارحة مكانان جميلان في مخيلتي، اليوم لم يخفف من انتمائي إلى البارحة، والحروب التي سكنت ساحات الماضي طبعتني بملامح محددة لم أشعر يوماً بحاجة إلى التخلي عنها. مروان عبادو عرفته يوم كان في 10 من عمره، كان ذلك الطفل الذي يقف في باب مسرح معهد الفنون الجميلة في بيروت يتلصص على تماريننا التمثيلية أو على طلاب الفن التشكيلي وهم أمام لوحاتهم مندهشاً أمام هذا العالم، راغباً في كشف سر هؤلاء طلاباً وأساتذة، مسرحاً ولوحة، بعد حوالي 30 سنة التقيته هنا في هذه المدينة فيينا تاركاً على شاطئ بحر بيروت مروان عبادو الصغير وفي المدى صورة عن فلسطين في وجدانه. مروان عبادو مواليد 67 شو سر هالشيبة المبكرة، معقول تكون صدمة الهزيمة الأولى في 67 صدمة مبكرة يعني مع الولادة؟
مروان عبادو: لا هو جزء من وراثة، وراثة عن جدي من أمي يعني كان عنده خصلة شعر شيب بالنصف، وأنا بلشت عندي بالنصف كمان من عمر 14سنة، وهالشيبة امتد.
أحمد علي الزين: وملأ الرأس..
مروان عبادو: وملأ الرأس بس ما وصل للقلب..
أحمد علي الزين: طيب خلينا نبلش من البداية، طبعاً أنت فلسطيني المصدر المولود في بيروت في إحدى مخيمات بيروت في الضفة ضبية، طبعاً مثل ما قلنا في سنة 67، يعني شو تخبرنا عن البيئة عن البدايات خاصة وأن الأهل والوالد تحديداً سكن بمكان مختلف في بيروت، وهو كان يعمل بمعهد الفنون الجميلة ملتقى المبدعين والرسامين والمسرحيين، إلى أي مدى أثرت فيك يعني هالبيئة اللي عشت فيها ونشأت فيها؟
مروان عبادو: يعني بيئتي كان مليئة بالتناقضات الاجتماعية والسياسية، يعني إحنا كنا عايشين في مخيمات ضبي، هُجرنا من هذا المخيم في 75 يعني من بداية الحرب الأهلية اللبنانية، ومن 78 جاء معهد الفنون الجميلة إلى المبنى اللي كنا نحنا ساكنين فيه، طبعاً هذا جزء كان بالنسبة لي أعطاني روح يعني تغذيت منها روح الفن، الموسيقى والرسم.
أحمد علي الزين: طيب مروان طبعاً أنت اخترت أو ربما شاءت الظروف إنه تكون موسيقي ومغني، يعني كيف تم اختيارك؟ ربما الواحد بالبداية بيحب يتماثل بأحد الناس هو وصغير أو كمان يتأثر بمناخ معين، يعني أنت كيف بمين تأثرت إذا بدنا نقول؟
مروان عبادو: تأثري في البدايات كان برواد الأغنية الملتزمة في لبنان، يعني الأستاذ مارسيل خليفة، الأستاذ أحمد خابور هذا الجيل.
أحمد علي الزين: زياد الرحباني..
مروان عبادو: زياد الرحباني خالد الهبر، وطبعاً الشيخ إمام كمان كان حاضر كثير في هديك المرحلة في لبنان، وهذا التأثر أتصور شعرت أنه في للأغنية وللموسيقى رسالة معينة في المجتمع، وهذا كان المنبع الأول وأتصور أثرّ فيّ أنه الابتعاد عن موضوعات إنه فهم الموسيقى بس كجزء تطريبي في المجتمع، يعني فيه كمان بناء فلسفي للمجتمع تعبر عنه الموسيقى ومش ضروري يكون في مجال الطرب الشرقي اللي نحنا نعرفه يعني اللي متعودين عليه.
أحمد علي الزين: يعني فينا نقول إنه خيارك ناتج عن إحساسك المبكر أنت يعني طبعاً المناخ الفلسطيني والنضالي مؤثر فيك، يعني هذا الخيار ناتج عن إحساسك بالقيام بدور ما لاحق كنت يعني عم تخطط له، دور نضالي، دور يهدف هيك زي ما أنت ذكرت أنك تغير بشيء تساهم بشيء على الأقل..؟
مروان عبادو: يمكن إجيت أو سني يعني تأثرت بمرحلة إنه أنا لما وعيت جداً في الموسيقى كانت هذه الفترة فترة الأغنية الملتزمة كمان بطلت جزء عضوي بحياتنا الثقافية، أو بطلّت موجودة بهذا الشكل اللي كانت موجودة فيه، وأتصور هي كان مناسبة لي أو فرصة لي أن أشوف الموسيقى كموسيقى، ويتكون عندي طموح لأغنية بعيدة عن المباشرة، عن النص الخطابي، وعن النص الفلكوري البحت، وبنفس الوقت الاهتمام بموضوعات الموسيقى الآلتية، يعني الموسيقى اللي ما معتمدة على نص.. على الغناء وعلى نص شعري يكون هو عمود العمل الموسيقي.
أحمد علي الزين: طيب مروان أنت يعني غادرت بيروت مبكراً يعني في سنة 85 تركت بيروت ما بعرف شو الأسباب، يمكن أهلك مثل ما تحكي حاولوا ينزعوك من البلد لأنه كان عندك شغب سياسي، كنت عم تتمرد بطريقة يمكن شوي.. وأتيت فيينا هاي المدينة اللي نحنا عم نعمل الحوار فيها سنة 85، يعني السؤال اللي يتبادر للذهن إنه ليش فيينا؟ يعني شو هاي الصدفة اللي خلتك تجي لفيينا؟
مروان عبادو: الصدفة إنه كان أخوي الكبير يشتغل في فيينا، وكانت الفرصة الوحيدة للخروج من بيروت هي فيينا يعني إمكانية الحصول على تأشيرة بتلك الفترة كانت فقط باتجاه النمسا، وطبعاً هاي فيها جزء من مسلكية التجمعات الفلسطينية، إنه دايماً نحنا نكون قريبين على بعض، لازم نكون قريبين على بعض والخيرات في هديك الفترة كانت ضئيلة، وأهلي أخذوا القرار أنه خلص أنت لازم تترك البلد الوضع كان شوي.. حروب وضيق طبعاً ما كانوا شايفين فيه أمل بالمحيط اللي كنا عايشين فيه، بمفهوم إنه الواحد يتقدم فأخذوا هذا القرار وأنا جيت النمسا عند أخوي الكبير.
أحمد علي الزين: وبتقديرك أنه هذا الخيار أو خروجك من بيروت أفادك أم أضر فيك؟
مروان عبادو: طبعاً البداية حسيت بنوع من الضرر إنه أنا يعني انشلعت من التربة اللي أنا طلعت منها، لكن اليوم وبعد هالشيب أفهم قرار أهلي، أفهم هذا الحرص على حياة ابنه للواحد، أعتبر أنه أنا اليوم بمنفى جميل جداً بالنسبة لي، وخلاني أوصل لمطارح يمكن لو بقيت في بيروت ما كنت وصلتها.
أحمد علي الزين: يعني هذا السؤال بدي أسأله فيينا هي عاصمة الموسيقى الكلاسيكية إذا صح التعبير، بلاد مزار شو أعطيتك هذه المدينة شو علمتك؟ كيف استفدت منها موسيقياً على الأقل عم نحكي عن الموسيقى؟
مروان عبادو: موسيقياً من خلال الدراسة أول شيء أنا أعتبر إنه أنا اكتشفت الموسيقى العربية من.. بس جيت يعني بالعكس.. ثاني شيء طبعاً أعطتني وعي عبر الدراسة عبر دراسة العلوم الموسيقية يعني أعمق للموسيقى، وأهم شيء أتصور أنا اكتسبته بهذا البلد هو تجربتي مع موسيقيين من مختلف أنحاء العالم، يعني النمسا فيينا بالتحديد يعيش فيها حوالي 6000 موسيقي، ومن مختلف ثقافات وحضارات العالم هاي تجربة ما ممكن تحصل في بلد آخر أو بالتحديد في الشرق.
أحمد علي الزين: مروان أنت شأنك شأن الكثير من الأجيال الفلسطينية اللي عاشت تجربة الشتات في بلدان مختلفة والترحال والتنقل من مكان لآخر، يعني كيف تحسّ أنت تجاه هويتك، تجاه انتمائك، يعني هل تسأل حالك مين أنا أحياناً؟
مروان عبادو: والله الأسئلة هي تجي أكثر من برة، يعني من خارج من المحيط اللي يتواجد فيه الإنسان، أتصور اليوم أي هوية فيها تركيبات وفيها تكوينات وتعقيدات مختلفة، يعني بالنسبة لي أنا فلسطيني وولدت في لبنان، لغتي الأم بمفهوم ثقافي واجتماعي هو محيط لبناني كمان بنفس الوقت، تكويني الثقافي هو تكوين لبناني، وبنفس الوقت أنا صار لي عايش 20 – 21 سنة في فيينا وهذا وطن آخر، وأصبحت مواطن لهذا البلد، ويمر الواحد كمان بصور فيها جزء من السريالية، يعني مرة مثلت النمسا في مهرجان آلات الوترية في المغرب.
أحمد علي الزين: كمواطن نمساوي؟
مروان عبادو: كمواطن نمساوي وكعازف نمساوي، وكنت عازف العود الوحيد الموجود في المهرجان، فكمان هاي الصور يمكن الواحد يشوفها غير منسجمة، لكن غير منسجمة مفهوم إنه كيف..
أحمد علي الزين: مواطن نمساوي عم يعزف عود في مهرجان آلات وترية في المغرب، طبعاً أول استفسار كان لإدارة المهرجان إنه فيش عازفين عود عرب موجودين في المهرجان، بس كان يعني تخطيط آخر يعني في المهرجان.
أحمد علي الزين: يقول الشاعر أمجد ناصر عن موسيقى مروان عبادو أن تسمع موسيقى مروان عبادو غير أن تراه يعزف، ليس هو ممثلاً ولا مؤدياً استعراضياً ليختلف تلقي موسيقاه بمشاهدته عن سماع اسطوانته، ولكن ضربات ريشته على آلة العود وملامح وجهه وجلسته المتحفزة على الكرسي الصغير، استبطانه إن لم أقل تمثله لمهاوي ومعارج موسيقاه يضيف إن جاز التعبير حضوراً درامياً لعمله. أظن أن هذا الحضور الدرامي الذي يتحدث عنه أمجد ناصر نابع من تكوينات مروان عبادو ومن مصدره الفلسطيني أولاً، ثم من تداعيات هذا المصدر التي منها الهجرة والشتات ومزالق الحنين، ثم كما ذكرنا لنشأته تأثير أكيد في هذا الحضور الدرامي، فهو نشأ في مناخ معهد الفنون الجميلة بحكم عمل والده وأقامته في مبنى المعهد، ولعل عناية جابر حين تقول عن صوت مروان عبادو تؤكد هذا البعد، ففلسطين حضرت تماماً في صوته وفي نصه وفي نبراته المتوارية خلف هدوئها، تخفي شوقاًَ ومكابدة. مروان عبادو ليس مجرد مؤدٍ لقصائد ونصوص، إنه صوت مؤثر وقادر على إغناء الكلمات بذلك الترجيع الحاضن الذي يتيح للقصيدة ويعطيها أبعاداً إضافية تمنحها اكتمالها ودلالاتها، بل هو أيضاً صوت ذكي خاصة في فهمه لطبيعته وعدم تحميل تلك الطبيعة أثقالاً نغمية خارجة عنها ولا تليق بها وتخرجها عن طورها.مروان الموسيقى والأغاني اللي تشتغلها يحسّ الواحد يعني هيك تعكس مناخات من الحنين وهيك مسحات من الحزن، بتقديرك هذا الحنين هو لوين أو لمين؟
مروان عبادو: هو بالنهاية يعبر عني، عن ترك مواقع كثيرة مش بإرادة ذاتية، لكن ما بعرف ما ممكن أقول لك أنا أحنّ لمين، أتذكر شغلات بس لا يعني أن الحنين لهذه الذاكرة لأنه الذاكرة كمان خائنة، بس أنا بالنسبة لي الحنين هو كمان حب، وهاي طاقة كمان بتصور الحب طاقة بشرية عجيبة.
زوجة مروان عبادو: أول شيء لفت نظري بمروان كانت الموسيقى كانت بالتحديد أغنية مطر، ببساطة التعبير اللي موجودة بالأغنية وطريقة تعبيرها عن قضية الشعب بدون ما تكون مسيسة كان أول شيء لفت نظري بموسيقة مروان، بس في خلال تعرفي على مروان كان فيه شيئين أساسين محددين لهالشخصية، الأولى كانت صدقه مروان زي الصفحة البيضاء حتى إذا عنده مشكلة مع شخص يحكيها في وجهه، والنقطة الثانية كانت إنه هو واحد من أكثر الناقدين لموسيقاه، هي كانت صدفة إنه فتاة فلسطينية من فلسطين المحتلة من مناطق 67 تجي في زيارة لفيينا وتلتقي بفنان فلسطيني في المهجر بالرغم من كونه ما عاش بفلسطين، لكن طريقته في التعبير عن طموح الشعب عن آمال هالشعب يجوز أكثر صدقاً من كثير من السياسيين أو اللي يدّعوا الخطابة في القضية الفلسطينية.
أحمد علي الزين: رحت بزيارة لفلسطين يعني كان لك الحظ إنك تفوت على فلسطين بعد ما صرت مواطن نمساوي، كيف شفت البلاد اللي أنت مثلاً كانت بذاكرتك من خلال حكايات الأهل، من خلال الوالد والأم والمشاهد اللي تشوفها على التلفزيون أو في الصحف؟
مروان عبادو: طبعاً فلسطين يمكن مرتبطة بكل فلسطيني مش موجود على الأرض الفلسطينية بمثل حلم، وهذا الحلم بحكيك عن احتلال، بحكيك عن شعب مقاوم، بحكيك.. يعني هذا لحلم واسع كبير ضخم، ويمكن هذا الحلم كمان يشكل لك صورة معينة في المقاومة، ويشكل لك صورة معينة مش مرتبطة بالواقع 100% وهي كانت الصدمة..
أحمد علي الزين: صدمت يعني؟
مروان عبادو: طبعاً صدمت، وأتصور بقاء الوطن فكرة أهون بكثير من أن نعيشه كوطن لأنه بعدنا بعيدين عن موضوع المواطنة..
أحمد علي الزين: شو رأيك بما يحدث مثلاً في فلسطين من عمليات استشهادية؟
مروان عبادو: يعني أنا كتبت قصيدة تقول أو كلمات بسيطة: كل يوم في صور كل يوم في خبر عن بلد اسمها فلسطينكل يوم في صراع وكل يوم في وداع في بلد اسمها فلسطينحابب يجينا يوم خالي البطولة لا شهيد ولا جريح يوم كله ملل ويوم كله ضجر وهاليوم الطبيعي من الطبيعي يكون عيد في بلد اسمها فلسطين.