الفـنّ المـهـجــري
ما زلت أذكر بعض الدروس في الأدب العربي خلال مروري عنوة في صفوف الثانوية الانجيلية الوطنية في بيروت، وما تحمله ذاكرتي هو الأدب العربي في المهجر. وبغض النظر عن أهمية هذا الأدب وصفاته النهضوية والنقدية، تستوقفني دائماً، ومن موقعي كمهاجر مقيم في النمسا، هذه التسمية “أدب المهجر”.
لعبت الجغرافيا بلا شك الدور الأساسي في اطلاق هذه التسمية. لكن لدى ازاحة هذا العامل الجغرافي، نجد أن الروافد المهجرية هي خارج الثقافة العربية من ناحية فعلها وتلقيها. بل أننا نتلقى شكسبير أفضل بكثير وفي منهجية أوروبية أفضل كثيراً عن تلقينا جبران. تختلف موضوعات “الفن المهجري” باختلاف حامليه وتجاربهم، عدا اختلاف المشاهد الثقافية داخل القارتين الأوروبية والأميركية. وترتبط موضوعات هذا المشهد المهجري لدى الجيل الأول بهموم الثقافة العربية وقضاياها. لكن من أبرز سمات هذا الانتاج المهجري، اختلاف محيطه، مما يسعر وتيرة المقارنة بين الثقافة الأم وثقافة الآخر. فضلاً عن أن الإنتاج المهجري يمتلك أدوات جمالية حديثة في مخاطبة الآخر.
هذا المشهد المهجري بتنوعه الفني وامتلاكه خبرات جديدة ونوعية يتم عزلها عن الثقافة العربية في صورة استباقية وافتراضية في الوقت نفسه، صورة الحنين الدائم الى الوطن الأم، وتنحصر احتفاليتنا بهم في دوائر الافتخار لكونهم باتوا معروفين في أوطانهم الجديدة. اليوم نشهد دائرة ثقافية واسعة المحاور في “المهاجر” وتحتضن هذه الدائرة أشكالاً فنية متعددة ورائدة ومعروفة في تلك البلدان. وبصرف النظر عما إذا كانت تلك “المهاجر” مرحلية أو طويلة الأمد، فإن بُعدها عن الثقافة الأم أضحى ساعات معدودة. الصفة المركزية بين مشهد المهجر البارحة واليوم هو الإنتاج من موقع الحرية، وانعزال هذا المثقف عن سلطة مباشرة رغم سعي العديد في الانظمة السياسية الى ربط هؤلاء المثقفين بمدارهم. هل سيتم عزل هذا المشهد المنتج واختزاله بصور الحنين والاشتياق إلى المنابع الأولى، مثلما فعلنا بجيلنا النهضوي الأول في القرن الماضي؟
تساؤل لا يشفيه سوى قول ناظم حكمت: المنفى مهنة شاقة جداً.
Comments are closed