بين حلب وهامبورغ
جاء الى الحفلة من حلب، وحفلتنا كانت في جامعة القديس يوسف القائمة في موقع بين شطري العاصمة بيروت. لم يأت للسياحة، او ليسترجع ذكرى حبيبة مضت. أتى من حلب فقط لسماع هذه الحفلة وبشكل حيّ. تعرفت عليه عند نهاية الحفل حيث اصطف مع بعض المؤمنين بعظمة امتلاك الاسطوانة و الموقّعة من صاحبها، كأنها صك مصرفي. أخبرني عنه مدير الحفلة ووددت دعوته لنحتسي شيئاً ممّا يحتسيه الموسيقيون بعد حفلاتهم، واعتذر كونه مضطرًا للعودة لحلب، والحافلة تغادر بيروت منتصف الليل.
هو مملوء بالنشوة وأنا سعيد به وأفكر برحلته الطويلة من أجل سماع الحفلة. غادر حلب، وترك خلفه نشرات الاخبار، حلقات الابراج والنجوم، ونام في الحافلة وعبر حدود الاخوة واستفاق في بيروت. حظي بالحفلة والاسطوانة واستقل الحافلة مجدداً عائداً الى حلب يتركني خلفه افكر بهذا الحب العظيم للموسيقى.
جاءت إلى الحفلة من مدينة هامبورغ الالمانية، وحفلاتنا في مسرح نستروي الجديد في ڤينَا. انها المرة الاولى التي تأتي فيها الى العاصمة النمسويَة، وأن يصبح أحد المهاجرين مثلي سبباً لزيارة عاصمة الموسيقى يدعو فعلا للمسائلة. سبق قدومها رسائل الكترونية عديدة، تطلب فيها مني بعضاً من نصوصي المغناة. وهي تريد أن تقرأ ما تسمعه. لا تتكلم العربية، بل تُجيدها قراءة. لم أبلغها بأن حالتها معاكسة تماماً للوضع العربي. وأصعب ما في طلبها انها تريد النصوص مُشكلة من أولها الى نهايتها. أيضاً لم أبلغها بأن امكانياتي الشخصية قويَة في الانشاء و تعجز في الهجاء. حصلت السيدة على نصوصها ولم أعرف بعد متى وأين تعرفت على موسيقاي.
أرسلت لي أنها قادمة الى ڤينَا وبدأت أنا بدخول حالات الشك الرجولي، وترسبات الوعي الشرقي تطرق أمثالها على نحو “وما أجتمع رجل وأنثى ألا وكان الشيطان بينهما”، وأنا أكيد في القناعة بأن لا داعي للشيطان أن يحل علينا، كون الشيطان في دواخلي، والشيطان بدعة ذكورية للتخفيف من وطئة المسؤولية على الرجال.
تواضع هذا الشيطان فِيَ بعدما جاءت السيدة الالمانية التي شارفت أواخر ستينياتها، مصطحبة باقة من الورد وتريد إهدائي كتاباً عن القضية الفلسطينية عندما تنتهي من دراسته. وسبق ان حضرت حفلة لي في هامبورج ومنذ ذلك الحين تتابع اخبار عروضي.
ما أعظم هذا الحب. انحني كموسيقي للشاب الحلبي وللسيدة الالمانية لنرتفع في مناخ الانغام.
Comments are closed