حفل زواج
حفل زواج الامير
يرن هاتفي ويطالعني على الخط صوت رجل نمسويَ شديد التهذيب. لقد حصل على رقم هاتفي من مؤسسة ڤينويَة تُعنى بالفنانين القادمين من مختلف قارات العالم، ويسعده ان يكلمني شخصياً. يريد الزواج عما قريب، وعروسه الايطالية وُلدت في تلمسان الجزائر، ولذلك يريد دعوتيير شخصياً للعزف في حفلة الزفاف. عبرت له عن جمال الفكرة ورفضت الدعوة لعلمي المُسبق بأني لا أصلح للغناء أو العزف في الاعراس. حاولت افهامه بكل صراحة بأن نوع الموسيقى التي أعزفها تتطلب بعض الهدوء والتركيز ولذلك سيكون من الصعب تقديمها في حفلة الزواج. شعر السيد المهذب بحدة قناعتي ولكنه يريد ان يكلمني مرة أخرى، وذكر لي أسمه مرة ثانية. لا بأس، وقفلت الهاتف.
كان إسمه يبدو لي مألوفاً ولكني لم أعرف مباشرة أن هذا الرجل المهذب جداً هو من نبلاء النمسا، أو كما يُطلق عليهم “أصحاب الدم الازرق” وهو بمرتبة أمير. أن يتصل هو شخصياً بي ينم عن تواضع عظيم لديه، لانه ليس من النبلاء الذين أصابهم الفقر، أنما من اصحاب اراض وممتلكات كأقطاعي بارز من القرون البائدة، ولديه من الموظفين الكُثر الذين يستطيعون ان يشرفوا على تحضيرات زواجه.
مر يومان والامير يتصل بي مجدداً. لقد اشترى كل اسطواناتي واستمع الى كل المقطوعات. ومن اسطوانة كذا، المقطوعة رقم كذا ستكون مناسبة جداً للحفل. استخرج الامير برنامجاً موسيقياً من الاسطوانات يمتد لمدة نصف ساعة لحفل زواجه، وفرقتي لن تكون الوحيدة في الحفل.
وهو سيقف شخصياً في الحفل ويطلب من جميع المدعوين الصمت لسماع وصلة الفرقة.
عبَرت له عن شديد احترامي له وأنه ليس من المتعارف عليه أن يُهدي المرء موسيقى حية وخاصة ً في حفل زواج، وذَكرتَه بأن ذلك سيكون صعباً علي. بالنهاية صَعُبت علي مقاومة هذا الحب والاحترام للموسيقى.
أعتقدت بأن الامير سيحوَلني الى أحد موظفيه للإتفاق على المواعيد، السفر الى خارج مقاطعة ڤينَا، والتسعيرة. انما الامير اتفق معي على كل التفاصيل مباشرة، كون مشاركتي هدية شخصية منه الى عروسه. أعتقدت أيضاً أني سأحصل على أعلى أجرِ لعرض موسيقي، ولكن الامير يجيد المُفاصلة، أو بالاحرى أنا لا أتقنها، بحيث باتت التسعيرة جيدة لتدريب موسيقي وعادية جداً لعرض موسيقي.
وصلت حفل الزواج مع زميلين لي وجهزنا أدوات الصوت للعرض التاريخي في حفل الزواج. غالبية المدعوين كانوا من أصحاب “الدم الازرق ” على مستوى أوروبي. بعد العشاء ووصلات الدبكات الشعبية النمسوية، وعرض لمجموعة أفريقية راقصة، وآخر لكاهن من الهنود الحمر القادم من كندا من أجل حفل الزواج، وقف الامير وخاطب الحضور، بأدبه المعهود، بأن ينصتوا لوصلتنا المقبلة. أصحاب “الدم الازرق ” كانوا قد شربوا من الاحمر والابيض بحيث أصبحت دمائهم متعددة الالوان وأصبح من الصعب التمييز بين الامير والفقير. قدمنا العرض وكأننا نعزف في إحدى صالات المطارات، ونسبة السماع لدى المحتفلين كانت شبه منعدمة. وحده الامير وزوجته الاميرة جلسا أمام المنصة للاستماع.
قرابة منتصف الليل وبعد ان رحل كل من في عروقه دماء، تقدمنا من العروسين وطلبنا منهما ان يجلسا لأننا نريد ان نعزف لهما. طارت الاميرة من الفرح، وارتسمت على وجه الامير ابتسامة عريضة. عزفنا مقطوعتين وشاهدنا الامير يدمع فرحاً. هذا الامير الذي يصعب عليه أن يخرج عن أدبه، او أن يوحي بأي إحساس في محياه، كأن عضلات وجهه مصابة بشلل دائم، يذرف دمعاً عند سماعه الموسيقى.
ودعنا الامير والاميرة ونحن الموسيقيين نتخيَل ذلك القفص الذهبي.
Comments are closed