رجاء بنّوت، شُعلة أمل مفقود
ڤيينّا
نيسان ٢٠٢٢
إنها دمشق في عام ٢٠٠٨ حيث كانت تتزين آنذاك بثوب العاصمة الثقافية للعالم العربي. وها انا أقدمُ حفلتي الدمشقية الاولى تحت عنوان „ نــرد” في مشروع دُمر برعاية السفارة النمسوية وممثلاً للنمسا في هذه الاحتفالية. كانت القاعة تغص بالحاضرين، وأكتشفتُ انذاك حبّ أهل بلاد الشام لصوتٍ فلسطيني مهجري. بعد انتهاء حفل „نرد” صعدت سيدة وقورة خشبة المسرح مهنئة اعضاء الفرقة، ووقفت أمامي بوجه ناضرٍ مبتسم مُعرفةً عن نفسها بأنها رجاء بنّوت، مُعبرة عن فرحها بالعرض الموسيقي، وقالت بصوت دافىء: انت الان ومجموعتك ضيوفي. شكرتها كثيراً وقلت لها ان الفرقة والمرافقين والاصدقاء كُثر ولا مجال لإستضافتنا. لكنها جددت الدعوة غير آبهة بعدد المدعوين فَرِحة بوجودنا في دمشق. حينها احسست ان دعوتها لم تكن من باب المسايرة او اللياقات المشرقية، بل من كرمِ ضيافة شامية.
بعد توضيب آلاتنا الموسيقية وجدنا انفسنا في بيت السيدة رجاء بنّوت والسيد سمير سعيفان، بيت ينطق بالفن، وبين جدرانه يقطن حب مطلق للفنون عامة، حبٌّ استقر بين ضلوع رجاء بنّوت وأشركته القريب والبعيد.
هذا اللقاء الدمشقي المميز، تبعه لقاءات عدة، منها دعوتها لي لنادي النهضة الفنية في دمشق في أيار ٢٠١٠، حيث عايشت ديواناً ثقافياً في قلب العاصمة السورية اعتقدت انه تقليد انقرض عن هذا العالم الموتور. كان اللقاء الحميمي تجسيداً لفكر رجاء في احتضان الفن والفنانين وتحفيز حاسة التذوق الفني.
وها أنا في نيسان من العام ٢٠١٦ استقبل رجاء بنّوت في محطة القطارات في ڤيينّا وسنين مرت تغيرت فيها احوال دمشق ورجاء، وأصبحت الغربة مسكنها، والحرية، التي تحلم بها، مشروعاً يتجاوز الفن واهله. باتت في مهجرها تفتح حقيبتها فيفوح ياسمين الشام على العوام. لم تفارقها نضارة فرحها الصبياني، وكلمة „خيّو” وكأنها لا تريد ان تُدخل شبح الاحباط الى حقيبتها. اينما حلت ملأت ضحكتها المكان، وازهرت طاقة العمل الحيوي، وكأن اغترابها وغُربتها مساحة جديدة للعطاء.
يوم الثالث عشر من أذار ٢٠٢٣ غابت رجاء بنّوت عن عالمنا غير أن قدرتها في نشر الامل المفقود، وكرمها الجامع للناس على اختلاف مشاربهم الفكرية والدينية والاجتماعية وتقديرها العميق للفن وأهله، تبقى حاضرة في وجدان من عرفوها. سُعدت بمعرفتها شخصياً وبفرصة الاطلال عبر ابتسامتها الصادقة على حلمٍ ذي نكهة خاصة نحو الحرية.
Comments are closed