عُقدة الغرب العجيبة في نفسية الموسيقي المريبة
عُقدة الغرب العجيبة في نفسية الموسيقي المريبة
توفر العروض الموسيقية في بعض الاحيان فرصة للتعارف على موسيقيين آخرين يشاركونك نفس المهرجان . وهذا يعطي للمهرجانات بُعداً ايجابياً في ان يستمع الموسيقي لعروض وزملاء سُمع باسمائهم ولم يحظ المرء بسماع موسيقاهم. الجزء المُريب في هذا الشأن هو جرأة الكثير منا كموسيقيين بتوزيع النياشين والتعليقات، بلا شك لست هنا خارج هذه الشجاعة في إبداء رأيي، لكن بعض التعليقات تبقى غريبة الطابع وتخلق نوعاً من الحيرة وتعكس اشكاليتنا مع هويتنا الذاتية وعلاقتها مع ألاخرين.
عزفت قبل سنوات طوال مع صديقي النمسوي وعازف الايقاع پيتر روزمانيت في لندن في إحدى حفلات مؤسسة سواس الجامعية، وكان العرض مخصصاً لفلسطين. أحد الفنانين المشاركين جاء آنذاك من الداخل الفلسطيني ويعزف آلة الغيتار، وأنا آت من ڤينا وبحوزتي آلتي العود العربية. تشاركنا في الهم الفلسطيني واللهجة الفلسطينية وكل منا قدم نفسه في هويته الموسيقية. الغريب المريب في الامر أن الزميل بادر بالتعبير عن رأيه بعملي واصفاً أياه بالغربي، وكأن الغيتار الذي يتأبطه عربياً قلباً وقالباً. لمجرد ان الزميل استمع لشيء لم يعهده ولم يعرفه، اصبحت بذلك غربياً وغريباً عن ملتي وأهلي!
قبل سنوات ليست بالطويلة قمت بزيارة لبنان لإقامة ورش موسيقية بالتعاون مع احدى المؤسسات اللبنانية -الفلسطينية المتخصصة في مجال الدعم الاجتماعي وتوفير العديد من الخدمات منها رياض الاطفال في عدد من المخيمات الفلسطينية. قمت بهذه الورشات في خمسة من المخيمات وشارك فيها حوالي الثلاثمائة وخمسون طفلاً تتراوح اعمارهم بين سن الرابعة وسن السادسة. لأول مرة استمع الاطفال لأغان مخصصة للأطفال باللغة العربية الفصحى، وخالية من أي محتوى ديني، ويتوسطها آلة العود. لا تكمن هنا المشكلة، لأني اقيم ورشة العمل حتى يتعلم الاطفال بعضاً من هذه الاغاني وهي أغان غير مُتعارف عليها. المشكلة كانت أن غالبية الاطفال لم تعرف اسم آلة العود. منهم من قال ان اسمها „طنطن”، وهذا مشتق من فعل الموسيقى في اللغة العربية ويرضيني بعض الشيء نحو تعريف الاطفال المشاركين بآلة العود. الغرابة ان بعض الاطفال قال ان اسم آلتي „غيتار”. بالطبع هذا يرضيني ايضاً كونه مدخلاً بأن يتعرف الطفل على آلتين موسيقيتين، ولكنه يبقى قاسياً في دلالاته. أطفال مخيماتنا لا يعرفون اسم آلة العود، لكنهم على معرفة باسم آلة الغيتار.
قبيل فترة وجيزة دَعيتُ احد المغنين الهواة للمشاركة في اداء احد الموشحات الدينية القديمة. كان تركيزي اثناء التدريبات ان يبقى الموشح في حلته الصوفية وعدم ادخاله في ايقاع راقص يُخرجه من تألقه الموسيقي. حاز هذا الحرص الشخصي مني في طريقة اداء الموشح على اعجاب المغني، واعتبر ان هذا له دلالة دينية وروحية عميقة تتناسب مع شخصه. بعد باب الاطراء من قبل الزميل حلت عليه الشجاعة العظيمة وأشار لي بان اسلوبي او طريقتي غربية. طلبت منه على الفور ان يعرف لي ما هو الاسلوب الشرقي؟ كانت اجابته مُربَكة وخجولة. قلت له هذا هو الاسلوب الشرقي، كما إجابتك: أنت هنا لتتعلم، وليس لتحديد ما هو اسلوب الآخرين. على الارجح أتت شجاعته من تلك المساحة والمكان الموسيقيين الموسومين بالحرية، اي من مكان خالٍ من توزيع الاوامر وتعريف من هو „الريس”.
تشرين الثاني ٢٠٢١
Comments are closed