مأتم
هاتَفني صديق، وهو شاعر نمسوّي، يبلغني بوفاة والده. أُصِبت بالاحراج والتلعثم وخاصة ان الموت في المجتمعات الغربية موضوع مُغيب وتقاليد التعامل معه تبقى في كثير من الاحيان للانسان الشرقي مُبهمة. والمواساة الشرقية لا تجد صدى لها عند الآخر الغربي، لأن حزن المرء في الغرب يبقى عادة شخصانياً ولا يتحول الى حالة جماعية. وأن يكون هذا الآخر صديق علماني، لن يعوض الغيبي الشرقي، في جُمَل مواساتنا، عن خسارته. عبرت له عن شديد أسفي، خاصة أن والده كان شخصية نقابية مميزة ومن القلائل في النمسا الذين انخرطوا في مقاومة النازية.
صديقي المتمالك لأعصابه يشكرني وينتقل لموضوعٍ آخر، حيث يطلب مني أن أغني في مراسم دفن والده. ومراسم الدفن هي الاخرى علمانية الطابع. فوالده أوصى بحرق جثته ووضعها في أيقونة للدفن. وهذا الصديق يريد مني اغنية “مطر” التي يعرفها شكلاً ومضموناً. إحراجي الاول في مواساته تطاير أمام طلب صديقي أن أغني في دفن والده، حيث لم أكن مُحرجاً بل لم أتوقع أن يُطلب مني يوما ما في حياتي، كموسيقي، مثل هذا الطلب. فأغنية “مطر” تتحدث عن مطر وفرح قادم لفلسطين ولشرقنا المتعطش لحياة نوعية جديدة. لم أشعر أني سوف ارنَمها في مأتم مُلحد أو مؤمن، على مقبرة شهيد أو على من مات موتة ربه.
وهذه الاغنية بالتحديد أصبح لها بعد سنوات من تلحينها وقع خاص عندي، كونها الاغنية التي جمعتني مع رفيقة دربي. واذا جمعت أغنية حبيبين لا يفرق بينهما الاجل، وصديقي يطلب مني أن نودع رماد جسد والده بأغنية عن الامل. وكيف تتحول أو تَفلُت أغنية موسيقي شرقي من عالمه الى مواقع تتجاوز حدود توقعاته. وافقت على أن أغني في مراسم الدفن. ولماذا لا نودع أحَب من لدينا، كيفما ارادوا أن يرحلوا، بالموسيقى.
Comments are closed