مارتن لوثر والقرآن الكريم
دُعيت يوم الثالث من كانون الاول 2009 الى جامعة غراتس، كلية اللاهوت لمرافقة حفل اهداء كتاب تاريخي لمكتبة الكلية بشكل موسيقي. مدينة غراتس وهي عاصمة مقاطعة شتايرمارك تمتاز بكلية اللاهوت لانها الوحيدة في النمسا التي تخوض الحوار الديني على مستوى أكاديمي بعيداً عن أضواء المؤتمرات الدينية الدارجة حالياً والتي يتحدث فيها رجال الدين عن تسامح حقائقهم الدينية.
والسر في دعوتي كموسيقي عربي للمشاركة في مراسيم هذا الحفل هو الكتاب عينه. فالكتاب الذي يتجاوز عمره الخمسمائة سنة، يُعتبر من الكتب الاولى في ترجمة القرآن الكريم الى اللغة اللاتينية في أوروبا الوسطى. والكتاب مُرفق برسالة من مارتين لوثر نفسه حيث يشيد بدور المعرفة والاطلاع على الاديان الاخرى. ولهذه النسخة من الكتاب قصة طويلة تاريخياً تكاد تقع تفاصيلها في باب القصص البوليسية. فعندما تقدم المُتبرع لاهداء الكتاب الى الجامعة، حولت ادارة الكلية الكتاب الى المختصين في الكتب التاريخية للتأكد من صحته. وأصطدمت مديرة المكتبة والمتخصصة في علم طباعة الكُتب، بأن النسخة لا تحتوي على اسم الناشر او المطبعة، وورق هذا الكتاب لايحتوي على الجزيئات المائية التي كانت صفة ملازمة لورق الطباعة المنتشر آنذاك. وتسربت الشكوك حول الكتاب وشخص المُتبرع به، وبدأت عملية البحث والمقارنة مع النُسخ المتوفرة لدى المكتبات الاخرى.
كل المقارنات مع النسخ الاخرى اكدت على أن الكتاب مطابق لها وصحيح في تاريخيته وليس مزوراً. وحاضرت مديرة المكتبة وأشاعت علينا سر هذا الكتاب حيث أن الناشر كان سويسرياً، وهو من مدينة بازل، وهو لم يحصل على ترخيص من مجلس المدينة لنشرالترجمة اللاتينية للقرآن الكريم. ورفض الترخيص من مجلس المدينة لم يكن لاسباب سوء الترجمة، بل سياسية بحته. واصرار الناشر على طباعته وخوفه بنفس الوقت بأن يفقد حقه كناشر، اضطره الى استخراج ورق مغاير لورق الطباعة السائد انذاك حتى لا يُعرف ناشره، ولذلك خلت كل النسخات المطبوعة من اسم الناشر او المطبعة. وبعد طباعة الكتاب ارسل الناشر برسالة الى مارتين لوثر يدعوه فيه للتأثير على مجلس مدينة بازل، وهذا ما فعله مارتين لوثر، مما أدى الى حصول الترخيص لكن بعد طباعة الكتاب بشكل سري.
لقد كنت محظوظاً ان ارافق مراسيم هذا الحفل موسيقياً، حيث كانت المكتبة تشع مساحات من المعرفة وخلف ابواب الجامعة تتبعك نتائج تصويت السويسريين على موضوع المآذن في بلادهم.
Comments are closed